الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.تفسير الآيات (42- 43): {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}{يامريم} روي أنهم كلموها شفاها معجزة لزكريا أو إرهاصا لنبوّة عيسى {اصطفاك} أولاً حين تقبلك من أمك ورباك واختصك بالكرامة السنية {وَطَهَّرَكِ} مما يستقذر من الأفعال ومما قرفك به اليهود {واصطفاك} آخراً {على نِسَاء العالمين} بأن وهب لك عيسى من غير أب؛ ولم يكن ذلك لأحد من النساء. أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود؛ لكونهما من هيآت الصلاة وأركانها؛ ثم قيل لها {واركعى مَعَ الركعين} بمعنى: ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة؛ أو انظمي نفسك في جملة المصلين وكوني معهم في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم. ويحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم ويسجد في صلاته ولا يركع وفيه من يركع، فأمرت بأن تركع مع الراكعين ولا تكون مع من لا يركع..تفسير الآية رقم (44): {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}{ذلك} إشارة إلى ما سبق من نبإ زكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام، يعني أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي.فإن قلت: لم نفيت المشاهدة وانتفاؤها معلوم بغير شبهة؟ وترك نفي استماع الأنباء من حفاظها وهو موهوم؟ قلت: كان معلوماً عندهم علماً يقيناً أنه ليس من أهل السماع والقراءة وكانوا منكرين للوحي، فلم يبق إلا المشاهدة وهي في غاية الاستبعاد والاستحالة، فنفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم بأنه لا سماع له ولا قراءة. ونحوه {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى} [القصص: 44]، {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور} [القصص: 46]، {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ} [يوسف: 102] {أقلامهم} أزلامهم وهي قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين. وقيل: هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة، اختاروها للقرعة تبركا بها {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} في شأنها تنافساً في التكفل بها.فإن قلت: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ} بم يتعلق؟ قلت: بمحذوف دلّ عليه يلقون أقلامهم، كأنه قيل: يلقونها ينظرون أيهم يكفل، أو ليعلموا، أو يقولون..تفسير الآيات (45- 51): {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}{المسيح} لقب من اولقاب المشرفة، كالصدّيق والفاروق، وأصله مشيحاً بالعبرانية، ومعناه المبارك، كقوله: {وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ} [مريم: 31] وكذلك {عِيسَى} معرب من أيشوع. ومشتقهما من المسح والعيس، كالراقم في الماء.فإن قلت: {إِذْ قَالَتِ} بم يتعلق؟ قلت: هو بدل من {وَإِذْ قَالَتِ الملئكة} ويجوز أن يبدل من {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} على أن الاختصام والبشارة وقعاً في زمان واسع، كما تقول: لقيته سنة كذا.فإن قلت: لم قيل: عيسى ابن مريم والخطاب لمريم؟ قلت: لأنّ الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه، وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين.فإن قلت: لم ذكر ضمير الكلمة؟ قلت لأن المسمى بها مذكر.فإن قلت: لم قيل اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وهذه ثلاثة أشياء: الاسم منها عيسى، وأما المسيح والابن فلقب وصفة؟ قلت: الاسم للمسمى علامة يعرف بها ويتميز من غيره، فكأنه قيل: الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة {وَجِيهاً} حال من {كلمة} وكذلك قوله: (ومن المقربين)، (ويكلم) (وَمِنَ الصالحين). أي يبشرك به موصوفاً بهذه الصفات. وصح انتصاب الحال من النكرة لكونها موصوفة. والوجاهة في الدنيا: النبوّة والتقدم على الناس. وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة. وكونه {مِنَ المقربين} رفعه إلى السماء وصحبته للملائكة. والمهد: ما يمهد للصبي من مضجعه، سمي بالمصدر. و{فِى المهد} في محل النصب على الحال، {وَكَهْلاً} عطف عليه بمعنى: ويكلم الناس طفلاً وكهلاً. ومعناه: يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء، من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء. ومن بدع التفاسير أن قولها: رب نداء لجبريل عليه السلام بمعنى يا سيدي {ونعلمه} عطف على يبشرك، أو على وجيها أو على يخلق، أو هو كلام مبتدأ.وقرأ عاصم ونافع: {ويعلمه}، بالياء.فإن قلت: علام تحمل: ورسولاً، ومصدّقاً من المنصوبات المتقدّمة، وقوله: {أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ} و{لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يأبى حمله عليها؟ قلت: هو من المضائق، وفيه وجهان: أحدهما أن يضمر له {وأرسلت} على إرادة القول؛ تقديره: ونعلمه الكتاب والحكمة، ويقول أرسلت رسولاً بأني قد جئتكم. ومصدقاً لما بين يدي. والثاني أن الرسول والمصدّق فيهما معنى النطق، فكأنه قيل: وناطقاً بأني قد جئتكم، وناطقاً بأني أصدق ما بين يدي وقرأ اليزيدي: ورسول: عطفاً على كلمة {أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ} أصله أرسلت بأني قد جئتكم، فحذف الجار وانتصب بالفعل، و{أَنِى أَخْلُقُ} نصب بدل من {أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ} أو جرّ بدل من آية، أو رفع على: هي أني أخلق لكم، وقرئ: {إني}، بالكسر على الاستئناف، أي أقدر لكم شيئاً مثل صورة الطير {فَأَنفُخُ فِيهِ} الضمير للكاف، أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير {فَيَكُونُ طَيْرًا} فيصير طيراً كسائر الطيور حياً طياراً.وقرأ عبد الله: {فأنفخها} قال:وقيل: لم يخلق غير الخفاش {الاكمه} الذي ولد أعمى، وقيل: هو الممسوح العين. ويقال: لم يكن في هذه الأمّة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير.وروي أنه ربما اجتمع عليه خمسون ألفاً من المرضى، من أطاق منهم أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى، وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده. وكرر {بِإِذُنِ الله} دفعاً لوهم من توهم فيه اللاهوتية.وروي: أنه أحيا سام بن نوح وهم ينظرون، فقالوا هذا سحر فأرنا آية، فقال: يا فلان أكلت كذا، ويا فلان خبئ لك كذا. وقرئ {تذخرون}، بالذال والتخفيف {وَلأُحِلَّ} ردّ على قوله: {بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ} أي جئتكم بآية من ربكم، ولأحل لكم ويجوز أن يكون {مُصَدّقاً} مردوداً عليه أيضاً، أي جئتكم بآية وجئتكم مصدقاً. وما حرم الله عليهم في شريعة موسى: الشحوم والثروب ولحوم الإبل، والسمك، وكل ذي ظفر، فأحل لهم عيسى بعض ذلك. قيل: أحل لهم من السمك والطير ما لا صيصية له. واختلفوا في إحلاله لهم السبت. وقرئ {حرم عليكم} على تسمية الفاعل، وهو ما بين يديّ من التوراة، أو الله عزّ وجلّ، أو موسى عليه السلام؛ لأن ذكر التوراة دل عليه، ولأنه كان معلوماً عندهم. وقرئ: {حرم}، بوزن كرم {وجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ} شاهدة على صحة رسالتي وهي قوله: {إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ} لأنّ جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه، وقرئ بالفتح على البدل من {ءايَةً}. وقوله: {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} اعتراض، فإن قلت: كيف جعل هذا القول آية من ربه؟ قلت لأنّ الله تعالى جعله له علامة يعرف بها أنه رسول كسائر الرسل، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والاستدلال. ويجوز أن يكون تكريراً لقوله: {جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ} أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم، من خلق الطير، والإبراء، والإحياء، والإنباء بالخفايا، وبغيره من ولادتي بغير أب، ومن كلامي في المهد، ومن سائر ذلك.وقرأ عبد الله. {وجئتكم بآيات من ربكم}، فاتقوا الله لما جئتكم به من الآيات، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه. ثم ابتدأ فقال: {إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ} ومعنى قراءة من فتح: ولأنّ الله ربي وربكم فاعبدوه، كقوله: {لإيلاف قُرَيْشٍ.... فَلْيَعْبُدُواْ} [قريش: 1 3] ويجوز أن يكون المعنى: وجئتكم بآية على أن الله ربي وربكم وما بينهما اعتراض. .تفسير الآيات (52- 54): {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)}{فَلَمَّا أَحَسَّ} فلما علم منهم {الكفر} علماً لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس. و{إِلَى الله} من صلة أنصاري مضمناً معنى الإضافة، كأنه قيل: من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله، ينصرونني كما ينصرني، أو يتعلق بمحذوف حالاً من الياء، أي من أنصاري، ذاهباً إلى الله ملتجئاً إليه {نَحْنُ أَنْصَارُ الله} أي أنصار دينه ورسوله. وحواريّ الرجل: صفوته وخالصته. ومنه قيل: للحضريات الحواريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن قال:وفي وزنه الحوالي، وهو الكثير الحيلة. وإنما طلبوا شهادته بإسلامهم تأكيداً لإيمانهم، لأنّ الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم {مَعَ الشاهدين} مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع الذين يشهدون بالوحدانية. وقيل: مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم شهداء على الناس {وَمَكَرُواْ} الواو لكفار بني إسرائيل الذين أحس منهم الكفر، ومكرهم أنهم وكلوا به من يقتله غيلة {وَمَكَرَ الله} أن رفع عيسى إلى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل {والله خَيْرُ الماكرين} أقواهم مكراً وأنفذهم كيداً وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب. .تفسير الآيات (55- 57): {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)}{إِذْ قَالَ الله} ظرف لخير الماكرين أو لمكر الله {إِنّي مُتَوَفّيكَ} أي مستوفي أجلك. معناه: إني عاصمك من أن يقتلك الكفار؛ ومؤخرك إلى أجل كتبته لك. ومميتك حتف أنفك لا قتيلاً بأيدهم {وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} إلى سمائي ومقرّ ملائكتي {وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} من سوء جوارهم وخبث صحبتهم.وقيل متوفيك: قابضك من الأرض، من توفيت مالي على فلان إذا استوفيته: وقيل: مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن: وقيل: متوفي نفسك بالنوم من قوله: {والتى لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف، وتستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب {فَوْقَ الذين كَفَرُواْ إلى يَوْمِ القيامة} يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف، ومتبعوه هم المسلمون لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} تفسير الحكم قوله: {فَأُعَذّبُهُمْ... فنوفيهم أُجُورَهُمْ} وقرئ {فيوفيهم} بالياء..تفسير الآية رقم (58): {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}{ذلك} إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره {نَتْلُوهُ} و{مِنَ الايات} خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف. ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي، ونتلوه صلته. ومن الآيات الخبر: ويجوز أن ينتصب ذلك بمضمر يفسره (نتلوه) {والذكر الحكيم} القرآن، وصف بصفة من هو سببه، أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه..تفسير الآيات (59- 60): {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}{إِنَّ مَثَلَ عيسى} إن شأن عيسى وحاله الغريبة كشأن آدم. وقوله: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم أي خلق آدم من تراب ولم يكن ثمة أب ولا أم، وكذلك حال عيسى.فإن قلت: كيف شبه به وقد وجد هو من غير أب، ووجد آدم من غير أب وأم؟ قلت: هو مثيله في إحدى الطرفين، فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به، لأنّ المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف، ولأنه شبه به في أنه وجد وجوداً خارجاً عن العادة المستمرة، وهما في ذلك نظيران، ولأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب، فشبه الغريب بالأغرب؛ ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه.وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم: لِمَ تعبدون عيسى، قالوا: لأنه لا أب له. قال: فآدم أولى لأنه لا أبوين له. قالوا: كان يحيي الموتى. قال: فحزقيل أولى، لأن عيسى أحيا أربعة نفر، وأحيا حزقيل ثمانية آلاف. قالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص. قال: فجرجيس أولى، لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالماً. {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} قدّره جسداً من طين {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن} أي أنشأه بشراً كقوله {ثُمَّ أَنشأناه خلقاً آخر} [المؤمنون: 14] {فَيَكُونُ} حكاية حال ماضية.{الحق من ربك} {الحق مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الممترين} خبر مبتدأ محذوف، أي هو الحق كقول أهل خيبر: محمد والخميس ونهيه عن الامتراء وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ممتريا من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة، وأن يكون لطفاً لغيره.
|